فصل: الْقِسْمُ الثَّانِي: الْعَامِلَةُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.الْقِسْمُ الثَّانِي: الْعَامِلَةُ:

وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: جَارَّةٌ وَنَاصِبَةٌ وَجَازِمَةٌ.
الْأُولَى: الْجَارَّةُ وَتَأْتِي لِمَعَانٍ:
لِلْمِلْكِ الْحَقِيقِيِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ}، {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ والأرض} {ولله جنود السماوات والأرض}.
وَالتَّمْلِيكِ، نَحْوَ وَهَبْتُ لِزَيْدٍ دِينَارًا وَمِنْهُ: {وَوَهَبْنَا لهم من رحمتنا}.
وَالِاخْتِصَاصِ وَمَعْنَاهَا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي نِسْبَةً بِاعْتِبَارِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مُتَعَلِّقُهُ نَحْوُ هَذَا صَدِيقٌ لِزَيْدٍ وَأَخٌ لَهُ وَمِنْهُ الْجَنَّةُ لِلْمُؤْمِنِينَ.
وَلِلتَّخْصِيصِ وَمِنْهُ: {إِنْ وَهَبَتْ نفسها للنبي}.
وللاستحقاق كقوله تعالى: {ويل للمطففين} {لهم اللعنة ولهم سوء الدار}.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِلْكَ أَنَّ الْمِلْكَ لِمَا حَصَلَ وَثَبَتَ وَهَذَا لَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ لَكِنْ هُوَ فِي حُكْمِ الْحَاصِلِ مِنْ حَيْثُ مَا قَدِ اسْتُحِقَّ قَالَهُ الرَّاغِبُ.
وَلِلْوِلَايَةِ كَقَوْلِهِ: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بعد}.
وَيَجُوزُ أَنْ تُجْمَعَ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ كَقَوْلِكَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ وَوَلِيُّهُ وَالْمَخْصُوصُ بِهِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ الْحَمْدُ لِي وَإِلَيَّ.
وَلِلتَّعْلِيلِ وَهِيَ الَّتِي يَصْلُحُ مَوْضِعَهَا مِنْ أَجْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وإنه لحب الخير لشديد}.
أي من أجل حب الخير.
وقوله: {لإيلاف قريش}. وهي متعلقة بقوله: {فليعبدوا} أو بقوله. {فجعلهم كعصف مأكول} وَلِهَذَا كَانَتَا فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ سُورَةً وَاحِدَةً. وَضُعِّفَ بِأَنْ جَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ إِنَّمَا هُوَ لِكُفْرِهِمْ وَتَجَرُّئِهِمْ عَلَى الْبَيْتِ.
وَقِيلَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أي اعجبوا.
وقوله: {سقناه لبلد ميت} أَيْ لِأَجْلِ بَلَدٍ مَيِّتٍ، بِدَلِيلِ: {فَأَنْزَلْنَا بِهِ الماء}.
هَذَا قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ إِنَّهَا بِمَعْنَى إِلَى.
وَقَوْلِهِ: {وَلَا تَكُنْ للخائنين خصيما} أَيْ لَا تُخَاصِمِ النَّاسَ لِأَجْلِ الْخَائِنِينَ.
قَالَ الرَّاغِبُ: وَمَعْنَاهُ كَمَعْنَى: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يختانون أنفسهم} وَلَيْسَتْ كَالَّتِي فِي قَوْلِكَ لَا تَكُنْ لِلَّهِ خَصِيمًا لِدُخُولِهَا عَلَى الْمَفْعُولِ أَيْ لَا تَكُنْ خصيم الله.
وبمعنى إلى كقوله: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى}.
بدليل قوله: {ويؤخركم إلى أجل مسمى}.
وَقَوْلِهِ: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}.
{الحمد لله الذي هدانا لهذا}.
{ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان}.
وقوله: {بأن ربك أوحى لها}، بدليل: {وأوحى ربك إلى النَّحْلِ} وَزَيَّفَهُ الرَّاغِبُ لِأَنَّ الْوَحْيَ لِلنَّحْلِ جُعِلَ ذلك له للتسخير وَالْإِلْهَامِ وَلَيْسَ كَالْوَحْيِ الْمُوحَى إِلَى الْأَنْبِيَاءِ فَاللَّامُ عَلَى جَعْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَهُ بِالتَّسْخِيرِ.
وَبِمَعْنَى على نحو: {ويخرون للأذقان} {فلما أسلما وتله للجبين}.
وَقَوْلِهِ: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}. أَيْ فَعَلَيْهَا لِأَنَّ السَّيِّئَةَ عَلَى الْإِنْسَانِ لَا له بدليل قوله تعالى: {فعلي إجرامي}.
وَقَوْلِهِ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} وَقَوْلِهِ: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المسجد الحرام} أي من لَمْ يَكُنْ وَقَوْلِهِ: {لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدار} وَبِمَعْنَى فِي كَقَوْلِهِ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ القيامة}، {يا ليتني قدمت لحياتي} {لا يجليها لوقتها إلا هو}.
وَبِمَعْنَى بَعْدَ نَحْوُ: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}. وَقَالَ ابْنُ أَبَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ.
وَبِمَعْنَى عَنْ مَعَ الْقَوْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سبقونا}.
أَيْ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ الْمَعْنَى خِطَابَهُمْ بِذَلِكَ وَإِلَّا لَقِيلَ سَبَقْتُمُونَا وَقِيلَ لَامُ التَّعْلِيلِ وَقِيلَ لِلتَّبْلِيغِ وَالْتُفِتَ عَنِ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ.
وكقوله: {قالت أخراهم لأولاهم}.
وأما قوله: {وقالت أولاهم لأخراهم}.
فَاللَّامُ لِلتَّبْلِيغِ كَذَلِكَ قَسَّمَهَا ابْنُ مَالِكٍ كَقَوْلِهِ تعالى: {ألم أقل لك} وَغَيْرُهُ يُسَمِّيهَا لَامَ التَّبْلِيغِ فَإِنْ عُرِفَ مَنْ غَابَ عَنِ الْقَوْلِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَلِلتَّعْلِيلِ نحو: {وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا} {ولا أقول للذين تزدري أعينكم}.
وَذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ ضَابِطًا فِي اللَّامِ المتعلقة بالقول وهو إِنْ دَخَلَتْ عَلَى مُخَاطَبَةِ الْقَائِلِ فَهِيَ لِتَعْدِيَةِ الْقَوْلِ لِلْمَقُولِ لَهُ نَحْوُ: {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا معروفا} {وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا}.
وقوله: {الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا}.
وَقَوْلِهِ: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ}.
وَقَوْلِهِ: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلا أن يشاء الله} وَهُوَ كَثِيرٌ.
وَبِمَعْنَى أَنِ الْمَفْتُوحَةِ السَّاكِنَةِ قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَجَعَلَ مِنْهُ:
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ}.
{يريد الله ليبين لكم}.
{وأمرنا لنسلم لرب العالمين} وَهَذِهِ اللَّامُ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَرَدْتُ وَأَمَرْتُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْمُسْتَقْبَلَ وَلَا يَصْلُحَانِ فِي الْمَاضِي فَلِهَذَا جُعِلَ مَعَهُمَا بِمَعْنَى أَنْ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الصف فقال {يريدون ليطفئوا نور الله}.
أصله يريدون أن يطفئوا كَمَا جَاءَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ.
وَلِلتَّعْدِيَةِ وَهِيَ الَّتِي تُعَدِّي الْعَامِلَ إِذَا عَجَزَ نَحْوُ: {إِنْ كنتم للرؤيا تعبرون}.
فَاللَّامُ فِيهِ لِلتَّعْدِيَةِ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَضْعُفُ بِتَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ عَلَيْهِ.
وَسَمَّاهَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: آلَةُ الْفِعْلِ وَذَكَرَ أَنَّ الْبَصْرِيِّينَ يُسَمُّونَهَا لَامَ الْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ تعالى: {أن اشكر لي ولوالديك} {أن أنصح لكم}.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: التَّعْدِيَةُ ضَرْبَانِ: تَارَةً لِتَقْوِيَةِ الْفِعْلِ، ولا يجوز حذفه نحو: {وتله للجبين}، وَتَارَةً يُحْذَفُ، نَحْوُ: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أن يضله} فَأُثْبِتَ فِي مَوْضِعٍ وَحُذِفَ فِي مَوْضِعٍ انْتَهَى.
وللتبيين كقوله تعالى: {وقالت هيت لك} أَيْ أَقْبِلْ وَتَعَالَ أَقُولُ لَكَ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ أَنَّ اللَّامَ الْمَكْسُورَةَ تَجِيءُ جَوَابًا لِلْقَسَمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا في الأرض ليجزي} وَالْمَعْنَى لَيَجْزِيَنَّ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالتَّوْكِيدِ بِالنُّونِ فَلَمَّا حَذَفَ النُّونَ أَقَامَ الْمَكْسُورَةَ مَقَامَ الْمَفْتُوحَةِ.
وَهَذَا ضَعِيفٌ وَذُكِرَ مِثْلُهُ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهَا فِعْلٌ مُقَدَّرٌ أَيْ آمِنُوا لِيَجْزِيَ.
الثَّانِي: النَّاصِبَةُ عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ فِي مَوْضِعَيْنِ لَامُ كَيْ وَلَامُ الْجُحُودِ.
وَلَامُ الْجُحُودِ هِيَ الْوَاقِعَةُ بَعْدَ الْجَحْدِ أَيِ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ: {ما كان الله ليذر المؤمنين}، {وما كان الله ليعذبهم} {لم يكن الله ليغفر لهم}.
وَضَابِطُهَا أَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ تَمَّ الْكَلَامُ بِدُونِهَا وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ تَوْكِيدًا لِنَفْيِ الْكَوْنِ بِخِلَافِ لَامِ كَيْ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} لَامُ كَيْ لِأَنَّ لَامَ الْجُحُودِ إِذَا سَقَطَتْ لَمْ يَخْتَلَّ الْكَلَامُ وَلَوْ سَقَطَتِ اللَّامُ مِنَ الآية بطل الْمَعْنَى وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ إِظْهَارُ أَنْ بَعْدَ لَامِ كَيْ وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ لَامِ الْجُحُودِ لِأَنَّهَا فِي كَلَامِهِمْ نَفْيٌ لِلْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ فَالسِّينُ بِإِزَائِهَا فَلَمْ يَظْهَرْ بَعْدَهَا مَا لَا يَكُونُ بَعْدَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فيهم}.
فَجَاءَ بِلَامِ الْجَحْدِ حَيْثُ كَانَتْ نَفْيًا لِأَمْرٍ متوقع مخوف في المستقبل ثم قال: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}.
فَجَاءَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ الَّذِي لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ حيث أراد نفي الْعَذَابِ بِالْمُسْتَغْفِرِينَ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْأَحْوَالِ.
وَمِثْلُهُ: {وما كان ربك ليهلك القرى}.
ثم قال: {وما كنا مهلكي القرى}.
ومثال لام كي وكي مضمرة معها قوله تعالى: {لينذر بأسا} {لنثبت به فؤادك} {لنصرف عنه السوء} {ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم}.
وَقَوْلِهِ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ}. يُرِيدُ كَيْ تَكُونُوا.
وَقَوْلِهِ: {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آية}.
وَقَدْ تَجِيءُ مَعَهَا كَيْ نَحْوُ: {لِكَيْ لَا يعلم بعد علم شيئا} {لكي لا يكون على المؤمنين حرج} {لكي لا تحزنوا على ما فاتكم}.
وَرُبَّمَا جَاءَتْ كَيْ بِلَا لَامٍ كَقَوْلِهِ: {كَيْ لا يكون دولة بين الأغنياء}.
وَفِي مَعْنَاهُ لَامُ الصَّيْرُورَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيَكُونَ لهم عدوا وحزنا} {وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون}.
وَتُسَمَّى لَامَ الْعَاقِبَةِ فَإِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَقِطُوهُ لِذَلِكَ بَلْ لِضِدِّهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا}.
وَحَكَى ابْنُ قُتَيْبَةَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ عَلَامَتَهَا جَوَازُ تَقْدِيرِ الْفَاءِ مَوْضِعَهَا وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَامُ التَّعْلِيلِ لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ لَامِ التَّعْلِيلِ الَّتِي فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: {لِنُحْيِيَ بِهِ بلدة ميتا}.
أَنَّ لَامَ التَّعْلِيلِ تَدْخُلُ عَلَى مَا هُوَ غَرَضٌ لِفَاعِلِ الْفِعْلِ وَيَكُونُ مُرَتَّبًا عَلَى الْفِعْلِ وَلَيْسَ فِي لَامِ الصَّيْرُورَةِ إِلَّا التَّرَتُّبُ فَقَطْ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ أَفَادَتِ اللَّامُ نَفْسَ الْعِلَّةِ وَالسَّبَبِ وَلَا يَجِبُ فِي الْعِلَّةِ أَنْ تَكُونَ غَرَضًا أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِكَ خَرَجْتُ مِنَ الْبَلَدِ مَخَافَةَ الشَّرِّ فَقَدْ جَعَلْتَ الْمَخَافَةَ عِلَّةً لِخُرُوجِكَ وَمَا هِيَ بِغَرَضِكَ.
وَنَقَلَ ابْنُ فَوْرَكٍ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ: أَنَّ كُلَّ لَامٍ نَسَبَهَا اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ فَهِيَ لِلْعَاقِبَةِ وَالصَّيْرُورَةِ دُونَ التَّعْلِيلِ لِاسْتِحَالَةِ الْغَرَضِ.
وَاسْتَشْكَلَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بِقَوْلِهِ: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً}.
وقوله: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا يغفر لك الله}. فَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِالتَّعْلِيلِ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ إِذْ هُوَ عَلَى وَجْهِ التَّفَضُّلِ.
وَأَقُولُ: مَا جَعَلُوهُ لِلْعَاقِبَةِ هُوَ رَاجِعٌ لِلتَّعْلِيلِ فَإِنَّ الْتِقَاطَهُمْ أَفْضَى إِلَى عَدَاوَتِهِ وَذَلِكَ يُوجِبُ صِدْقَ الْإِخْبَارِ بِكَوْنِ الِالْتِقَاطِ لِلْعَدَاوَةِ لِأَنَّ مَا أَفْضَى إِلَى الشَّيْءِ يَكُونُ عِلَّةً وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ نَصْبُ الْعِلَّةِ صَادِرًا عَمَّنْ نُسِبَ الْفِعْلُ إِلَيْهِ لَفْظًا بَلْ جَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رَاجِعًا إِلَى مَنْ يُنْسَبُ الْفِعْلُ إِلَيْهِ خَلْقًا كَمَا تَقُولُ جَاءَ الْغَيْثُ لِإِخْرَاجِ الْأَزْهَارِ وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ لِإِنْضَاجِ الثِّمَارِ فَإِنَّ الْفِعْلَ يضاف إلى الشمس والغيث.
كَذَلِكَ الْتِقَاطُ آلِ فِرْعَوْنَ مُوسَى فَإِنَّ اللَّهَ قَدَّرَهُ لِحِكْمَتِهِ وَجَعَلَهُ عِلَّةً لِعَدَاوَتِهِ لِإِفْضَائِهِ إِلَيْهِ بِوَاسِطَةِ حِفْظِهِ وَصِيَانَتِهِ كَمَا فِي مَجِيءِ الْغَيْثِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِخْرَاجِ الْأَزْهَارِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ الزَّمَخْشَرِيُّ أَيْضًا التَّحْقِيقُ أَنَّهَا لَامُ الْعِلَّةِ وَأَنَّ التَّعْلِيلَ بِهَا وَارِدٌ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ دُونَ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ دَاعِيهِمْ إِلَى الِالْتِقَاطِ كَوْنَهُ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا بَلِ الْمَحَبَّةُ وَالتَّبَنِّي غَيْرَ أن ذلك لما أن نَتِيجَةَ الْتِقَاطِهِمْ لَهُ وَثَمَرَتَهُ شُبِّهَ بِالدَّاعِي الَّذِي يفعل الفاعل الفعل لأجله وهو الإكرام الذي هو نتيجة المجيء فَاللَّامُ مُسْتَعَارَةٌ لِمَا يُشْبِهُ التَّعْلِيلَ.
وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ فِي كِتَابِ الْمُبْتَدَأِ فِي النَّحْوِ فَأَمَّا قوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون} فَهِيَ لَامُ كَيْ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَلَامُ الصَّيْرُورَةِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَالتَّقْدِيرُ فَصَارَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِمْ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَقِطُوهُ لِكَيْ يَكُونَ عَدُوًّا انْتَهَى.
وَجَوَّزَ ابْنُ الدَّهَّانِ فِي الْآيَةِ وَجْهًا غَرِيبًا عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَيْ فَالْتَقَطَ آلُ فِرْعَوْنَ وَ: {عَدُوًّا وَحَزَنًا} حَالٌ مِنَ الْهَاءِ فِي: {لِيَكُونَ لَهُمْ} أَيْ لِيَتَمَلَّكُوهُ.
قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِكَرَاهَةِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا.
وأما قوله: {ليغفر لك الله}، فَحَكَى الْهَرَوِيُّ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ اللَّامَ جَوَابُ الْقَسَمِ وَالْمَعْنَى لَيَغْفِرَنَّ اللَّهُ لَكَ فَلَمَّا حُذِفَتِ النُّونُ كُسِرَتِ اللَّامُ وَإِعْمَالُهَا إِعْمَالُ كَيْ وَلَيْسَ الْمَعْنَى فَتَحْنَا لَكَ لِكَيْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكَ فَلَمْ يَكُنِ الْفَتْحُ سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ.
قَالَ: وَأَنْكَرَهُ ثَعْلَبٌ وَقَالَ هِيَ لَامُ كَيْ وَمَعْنَاهُ لِكَيْ يَجْتَمِعَ لَكَ مَعَ الْمَغْفِرَةِ تَمَامُ النِّعْمَةِ فَلَمَّا انْضَمَّ إِلَى الْمَغْفِرَةِ شَيْءٌ حَادِثٌ وَاقِعٌ حَسُنَ مَعَهُ كَيْ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أحسن ما كانوا يعملون} وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا ليضلوا عن سبيلك}.
فَقَالَ الْفَرَّاءُ لَامُ كَيْ.
وَقَالَ: قُطْرُبٌ وَالْأَخْفَشُ: لَمْ يُؤْتَوُا الْمَالَ لِيُضِلُّوا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِمُ الضَّلَالَ كَانُوا كَأَنَّهُمْ أُوتُوهَا لِذَلِكَ فَهِيَ لَامُ الْعَاقِبَةِ.
هَذَا كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ وَأَمَّا الْبَصْرِيُّونَ فَالنَّصْبُ عِنْدَهُمْ بِإِضْمَارِ أَنْ وَهُمَا جَارَّتَانِ لِلْمَصْدَرِ وَاللَّامُ الْجَارَةُ هِيَ لَامُ الْإِضَافَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّاصِبَةَ لِلْمُضَارِعِ تَجِيءُ لِأَسْبَابٍ:
مِنْهَا الْقَصْدُ وَالْإِرَادَةُ، إِمَّا فِي الْإِثْبَاتِ نَحْوُ: {ولتنذر أم القرى}.
أَوِ النَّفْيِ نَحْوُ: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كنت عليها إلا لنعلم}.
فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ لِنَعْلَمَ ملائكتنا وأولياءنا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعَالَى خَاطَبَ الْخَلْقَ بِمَا يُشَاكِلُ طَرِيقَتَهُمْ فِي مَعْرِفَةِ الْبَوَاطِنِ وَالظَّوَاهِرِ عَلَى قَدْرِ فَهْمِ الْمُخَاطَبِ.
وَقَدْ تَقَعُ مَوْقِعَ أَنْ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَعْلُولَةٍ لَهَا فِي الْمَعْنَى وَذَلِكَ إِنْ كَانَ الْكَلَامُ مُتَضَمِّنًا لِمَعْنَى الْقَصْدِ والإرادة نحو: {وأمرنا لنسلم لرب العالمين}. {إنما يريد الله ليعذبهم بها} وَمِنْهَا الْعَاقِبَةُ عَلَى مَا سَبَقَ.
الثَّالِثُ: الْجَازِمَةُ الْمَوْضُوعَةُ لِلطَّلَبِ وَتُسَمَّى لَامَ الْأَمْرِ وَتَدْخُلُ عَلَى الْمُضَارِعِ لِتُؤْذِنَ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ لِلْمُتَكَلِّمِ وَشَرْطُهَا أَنْ يكون الفعل لغير الْمُخَاطَبَ فَيَقُولُونَ لِتَضْرِبْ أَنْتَ وَمِنْهُ قِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ: {فبذلك فليفرحوا} وَوَصْفُهَا أَنْ تَكُونَ مَكْسُورَةً إِذَا ابْتُدِئَ بِهَا نحو: {لينفق ذو سعة من سعته} {ليستأذنكم}.
وَتُسَكَّنُ بَعْدَ الْوَاوِ وَالْفَاءِ نَحْوُ: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وليؤمنوا بي} {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} وَيَجُوزُ الْوَجْهَانِ بَعْدَ ثُمَّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِتَسْكِينِ: {لْيَقْضُوا} وَبِتَحْرِيكِهِ وَتَجِيءُ لَمَعَانٍ مِنْهَا التَّكْلِيفُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سعة من سعته}.
وَمِنْهَا أَمْرُ الْمُكَلَّفِ نَفْسَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْنَحْمِلْ خطاياكم} وَالِابْتِهَالُ وَهُوَ الدُّعَاءُ نَحْوُ: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} وَالتَّهْدِيدُ نَحْوُ: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فليكفر} وَالْخَبَرُ نَحْوُ: {مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ له الرحمن مدا}.
أي يمد.
ويحتمله {ولنحمل}. أَيْ وَنَحْمِلُ.
وَيَجُوزُ حَذْفُهَا وَرَفْعُ الْفِعْلِ وَمِنْهُ يقول: {تؤمنون بالله ورسوله}.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِلطَّلَبِ قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدُ: {نغفر لكم} مَجْزُومًا فَلَوْلَا أَنَّهُ طَلَبٌ لَمْ يَصِحَّ الْجَزْمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ وَجْهٌ سِوَاهُ.